فصل: الحديث الحادى بعد السِّتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع بعد الْخمسين:

قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْحَج عَرَفَة، فَمن أدْرك عَرَفَة فقد أدْرك الْحَج».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن يعمر الدِّيليِّ قَالَ: «شهِدت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَات، وَأَتَاهُ نَاس من أهل نجد، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، كَيفَ الْحَج؟ فَقَالَ: الْحَج عَرَفَة، من جَاءَ قبل صَلَاة الْفجْر من لَيْلَة جمع فقد تمّ حجه، وَأَيَّام منى ثَلَاثَة أَيَّام، فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَأَرْدَفَ رجلا خَلفه فَجعل يُنَادي بِهن» هَذَا لفظ أَحْمد. وَلَفظ أبي دَاوُد: «فجَاء نَاس- أَو نفر- من أهل نجد، فَأمروا رجلا فَنَادَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ الْحَج؟ فَأمر رجلا فَنَادَى: الْحَج يَوْم عَرَفَة، وَمن جَاءَ قبل صَلَاة الصُّبْح من لَيْلَة جمع يتم حجه». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْحَج عَرَفَات، الْحَج عَرَفَات، أَيَّام منى ثَلَاث...» إِلَى قَوْله: «فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَمن أدْرك عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك الْحَج». وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: «الْحَج عَرَفَة» وَالْبَاقِي بِنَحْوِهِ، وَفِي لفظ للنسائي: «الْحَج عَرَفَة، فَمن أدْرك عَرَفَة قبل طُلُوع الْفجْر من لَيْلَة جمع فقد تمّ حجه». وَلَفظ ابْن مَاجَه كَلَفْظِ أَحْمد، وَلَفظ ابْن حبَان: «الْحَج عَرَفَات، فَمن أدْرك عَرَفَة لَيْلَة جمع قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك، أَيَّام منى...» إِلَى قَوْله: «فَلَا إِثْم عَلَيْهِ». وَلَفظ الْحَاكِم كَلَفْظِ ت س وَلَفظه فِي كتاب التَّفْسِير: «الْحَج عَرَفَة- أَو عَرَفَات- فَمن أدْرك عَرَفَة قبل طُلُوع الْفجْر فقد أدْرك الْحَج، أَيَّام منى ثَلَاث» بِمثل رِوَايَة ابْن حبَان. وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «الْحَج عَرَفَات، الْحَج عَرَفَات، فَمن أدْرك لَيْلَة جمع قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك...» وَالْبَاقِي بِمثلِهِ. وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «الْحَج عَرَفَة، الْحَج عَرَفَة، من أدْرك عَرَفَة قبل طُلُوع الْفجْر فِي يَوْم النَّحْر فقد تمّ حجه، أَيَّام منى ثَلَاثَة...» الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: هَذَا أَجود حَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ. وَفِي ابْن مَاجَه: قَالَ مُحَمَّد بن يَحْيَى: مَا أرَى للثوري حَدِيثا أشرف مِنْهُ. وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن وَكِيع أَن هَذَا الحَدِيث أُمّ الْمَنَاسِك. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم. وَقَالَ ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: قلت لِسُفْيَان الثَّوْريّ: لَيْسَ عنْدكُمْ بِالْكُوفَةِ حَدِيث أحسن وَلَا أشرف من هَذَا.
وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. ذكره فِي أثْنَاء تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة من مُسْتَدْركه.
فَائِدَة: عبد الرَّحْمَن هَذَا لَهُ صُحْبَة، بكري، ديلي- بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْمُثَنَّاة تَحت- وَقَالَ ابْن معن فِي تنقيبه: هُوَ بِكَسْر الدَّال وهمز الْيَاء وَفتحهَا، وَأَبوهُ يَعْمر، بِفَتْح الْمُثَنَّاة تَحت، وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَفتح الْمِيم وَضمّهَا، ثمَّ رَاء مُهْملَة. وَذكر أَبُو عمر بن عبد الْبر: أَنه لم يرو عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث. قلت: أخرج لَهُ ت ق ن حَدِيثا آخر فِي النَّهْي عَن الدُّبَّاء والحنتم، وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي مُعْجم الصَّحَابَة أَنه رَوَى حديثين، وَذكر هذَيْن. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة: رَوَى هَذَا الحَدِيث ابْن شاهين فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَقَالَ: عَن أبي الْأسود الديلِي بدل عبد الرَّحْمَن بن يعمر الديلِي وَهُوَ خطأ، لَا مدْخل لأبي الْأسود فِي هَذَا الحَدِيث.

.الحديث الخَامِس بعد الْخمسين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «نحرت هَاهُنَا وَمنى كلهَا منحر، فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ، ووقفت هَاهُنَا وعرفة كلهَا موقف، ووقفت هَاهُنَا وَجمع كلهَا موقف». وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَلّي مَرْفُوعا: «عَرَفَة كلهَا موقف، وَجمع كلهَا موقف، وَمنى كلهَا منحر».
فَائِدَة: جمع، والمشعر الْحَرَام، والمزدلفة، ثَلَاثَة أَسمَاء لموْضِع وَاحِد. قَالَه ابْن عبد الْبر.

.الحديث السَّادِس بعد الْخمسين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن وَادي عُرَنَة».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق: أَحدهَا: عَن جَابر مَرْفُوعا، إِلَّا أَنه قَالَ: عَن بطن عُرَنَة بدل «وَادي عُرَنَة» وَزِيَادَة: «وَكَذَلِكَ الْمزْدَلِفَة موقف، وارتفعوا عَن بطن محسر، وكل منى منحر إِلَّا مَا وَرَاء الْعقبَة». رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَإِسْنَاده ضَعِيف بِسَبَب الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده فَإِنَّهُ واهٍ، قَالَ أَحْمد: كَانَ يكذب، وَيَضَع الحَدِيث، ترك النَّاس حَدِيثه.
ثَانِيهَا: عَن ابْن الْمُنْكَدر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن عُرَنَة، والمزدلفة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن محسر». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، قَالَ ابْن جريج: وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر... فَذكره، وَهُوَ مُرْسل، وَيَأْتِي مَوْصُولا من طَرِيقه عَن أبي هُرَيْرَة.
ثَالِثهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ارْفَعُوا عَن بطن عُرَنَة، وارْفَعُوا عَن بطن محسر». رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَن فِيهِ تقصيرًا فِي سَنَده. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ يُقَال: ارتفعوا عَن محسر، وارتفعوا عَن عرنات» أما قَوْله: «العرنات» فالوقوف بعرنة أَي لَا تقفوا بعرنة. وَأما قَوْله: عَن محسر فالنزول بِجمع أَن لَا تنزلوا محسرًا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن شَيْخه الْحَاكِم مَرْفُوعا وموقوفًا، وَاعْترض النَّوَوِيّ عَلَى الْحَاكِم فِي تَصْحِيحه وَأَنه عَلَى شَرط مُسلم؛ فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قَالَ، فَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرط مُسلم، وَلَا إِسْنَاده صَحِيح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة مُحَمَّد بن كثير وَلم يرو لَهُ مُسلم، وَقد ضعفه جُمْهُور الْأَئِمَّة.
قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من طَرِيق أُخْرَى، لَكِنَّهَا ضَعِيفَة، رَوَاهُ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْمليكِي- وَهُوَ تَالِف، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث- عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، ومزدلفة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن محسر». وَعَزاهُ عبد الْحق من رِوَايَة ابْن عَبَّاس إِلَى الطَّحَاوِيّ بِلَفْظ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، ومزدلفة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن محسر، وشعاب منى كلهَا منحر» زَاد ابْن وهب: «وَمن جَازَ عَرَفَة قبل أَن تغيب الشَّمْس فَلَا حج لَهُ».
رَابِعهَا: عَن مَالك: أَنه بلغه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، والمزدلفة كلهَا موقف، وارتفعوا عَن بطن محسر». كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ، قَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا الحَدِيث يرْوَى من حَدِيث عَلّي وَابْن عَبَّاس، وأكثرها لَيْسَ فِيهِ ذكر «بطن عُرَنَة»، واستثناؤه صَحِيح عِنْد الْفُقَهَاء، ومحفوظ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ذكره عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن أبي هُرَيْرَة.
خَامِسهَا: عَن حبيب بن خماشة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «عَرَفَة كلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة، والمزدلفة كلهَا موقف إِلَّا بطن محسر». رَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة: عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن آدم الشَّاشِي، ثَنَا أَحْمد بن جَعْفَر بن سلم الْجمال، نَا مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد، نَا صَالح بن خَوات، عَن يزِيد بن رُومَان، عَن حبيب بن عُمَيْر، عَن حبيب بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو نعيم أَيْضا فِي معرفَة الصَّحَابَة عَن أبي بكر بن خَلاد، نَا الْحَارِث بن أبي أُسَامَة، نَا مُحَمَّد بن عمر بِهِ سَوَاء، وَزَاد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ذَلِك بِعَرَفَة». قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُعْجم الصَّحَابَة: حبيب هَذَا أوسي خطمي، لَهُ هَذَا الحَدِيث الْغَرِيب. وَقَالَ بعد ذَلِك: حبيب بن عَمْرو ذكره عَبْدَانِ. وسَاق حَدِيثا عَن أبي جَعْفَر الخطمي عَنهُ ثمَّ قَالَ: حبيب بن عُمَيْر الخطمي سَاق لَهُ عَبْدَانِ عَن أبي جَعْفَر الخطمي عَن جدّه حبيب، وَهُوَ الأول، وَهُوَ حَدِيث ابْن خماشة الخطمي، إِذْ الرَّاوِي عَنْهُم وَاحِد.
قلت: وَمُحَمّد بن عمر بن وَاقد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده وَضاع.
سادسها: عَن عَمْرو بن شُعَيْب وَسَلَمَة بن كهيل أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «هَذَا الْموقف، وكل عَرَفَة موقف، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، وَمن جَازَ بطن عُرَنَة قبل أَن تغيب الشَّمْس فَعَلَيهِ حج قَابل». رَوَاهُ ابْن وهب فِي موطئِهِ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْن الْقطَّان وَغَيره عَنهُ، عَن يزِيد بن عِيَاض، عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن عَمْرو بن شُعَيْب بِهِ، وَأعله عبد الْحق بيزِيد هَذَا، وَقَالَ: إِنَّه مَتْرُوك. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَابْن الْقطَّان بإِسْحَاق هَذَا، وَقَالَ: إِنَّه ابْن أبي فَرْوَة، وَهُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ، وَكَذَا يزِيد بن عِيَاض.
سابعها- وَكَانَ يتَعَيَّن تَقْدِيمهَا-: عَن جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «كل عَرَفَات موقف، وَارْفَعُوا عَن عُرَنَة، وكل مُزْدَلِفَة موقف، وارتفعوا عَن محسر، وكل فجاج منى منحر، وَفِي كل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح». رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن أَحْمد بن الْحسن بن عبد الْجَبَّار الصُّوفِي، عَن أبي نصر التمار، عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن، عَن جُبَير بِهِ. واحتجَّ بِهِ ابْن حزم فِي محلاه؛ فَأخْرجهُ من حَدِيث سُلَيْمَان بِهِ بِلَفْظ: «كل عَرَفَات موقف، وَارْفَعُوا عَن بطن عُرَنَة، والمزدلفة كُله موقف، وَارْفَعُوا عَن بطن محسر». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي الْأَضَاحِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن جُبَير بن مطعم، وَهُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ مُرْسل بِإِسْقَاط عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن.
قلت: وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده، وأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سُلَيْمَان أَيْضا عَن نَافِع بن جُبَير عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «كل عَرَفَة موقف، وَارْفَعُوا عَن عُرَنَة، وكل مُزْدَلِفَة موقف وَارْفَعُوا عَن بطن محسر».
تَنْبِيه: عُرَنة: بِضَم أَوله وفتح ثَانِيه ثمَّ نون ثمَّ هَاء، كَذَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه قَالَ: وَهُوَ وَادي عُرَنَة، قَالَ: وَالْفُقَهَاء يَقُولُونَهُ بِضَم الرَّاء وَهُوَ خطأ. قَالَ: وَذكر أَبُو بكر «عُرَنَة» بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه، مَوضِع، وَلم يُحَدِّده وَأرَاهُ غير الَّذِي بِعَرَفَة.

.الحديث السَّابِع بعد الْخمسين:

عَن عُرْوَة بن مضرِّس الطَّائِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من صَلَّى مَعنا هَذِه الصَّلَاة- يَعْنِي: الصُّبْح يَوْم النَّحْر- وَأَتَى عَرَفَات قبل ذَلِك لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه، وَقَضَى تفثه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه. وَلَفظ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: عَن عُرْوَة بن مُضرس قَالَ: «أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَقَامَ الصَّلَاة بالموقف- يعْنى: بِجمع- فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي جِئْت من جبلي طَيئ، أكللت راحتي- وَلَفظ د ن: مطيتي- وأتعبت نَفسِي، وَالله يَا رَسُول الله، مَا تركت من حَبْل- وَفِي لفظ: من جَبَل- إِلَّا وقفت عَلَيْهِ؛ فَهَل لي من حج؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من شهد صَلَاتنَا هَذِه، ووقف مَعنا حَتَّى ندفع وَقد وقف بِعَرَفَة قبل ذَلِك لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه» وَلَفظ أَحْمد نَحْو هَذَا، وَفِي رِوَايَة للنسائي «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِفًا بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: من صَلَّى مَعنا صَلَاتنَا هَذِه هَاهُنَا، ثمَّ أَقَامَ مَعنا وَقد وقف قبل ذَلِك بِعَرَفَة لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من أدْرك جمعا مَعَ الإِمَام وَالنَّاس حَتَّى يفِيض مِنْهَا فقد أدْرك الْحَج، وَمن لم يدْرك مَعَ النَّاس وَالْإِمَام فَلم يُدْرِكهُ». وَلَفظ ابْن مَاجَه عَن عُرْوَة: «أَنه حج عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يدْرك النَّاس إِلَّا وهم بِجمع، قَالَ: فَأتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله، أنصبت رَاحِلَتي وأتعبت نَفسِي، وَالله مَا تركت من جبل إِلَّا وقفت عَلَيْهِ؛ فَهَل لي من حج؟، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: من شهد مَعنا الصَّلَاة، وأفاض من عَرَفَات لَيْلًا أَو نَهَارا فقد قَضَى تفثه وَتمّ حجه» وَلَفظ ابْن حبَان: «أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بجمْع، فَقلت: هَل عَلّي من حج؟ قَالَ: من شهد مَعنا هَذَا الْموقف حَتَّى يفِيض، وَقد أَفَاضَ قبل ذَلِك من عَرَفَات لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه». وَفِي لفظ لَهُ: «وَهُوَ وَاقِف بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ: من صَلَّى صَلَاتنَا هَذِه، ثمَّ أَقَامَ مَعنا وَقد وقف قبل ذَلِك بِعَرَفَة لَيْلًا أَو نَهَارا، فقد تمّ حجه». وَلَفظ الْحَاكِم: «أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِجمع، فَقلت: هَل لي من حج؟ فَقَالَ: من صَلَّى مَعنا هَذِه الصَّلَاة بِهَذَا الْمَكَان، ثمَّ وقف مَعنا هَذَا الْموقف حَتَّى يفِيض الإِمَام قبل ذَلِك من عَرَفَات لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه». وَفِي رِوَايَتَيْنِ لَهُ نَحْو هَذِه. وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «من صَلَّى مَعنا صَلَاة الْغَدَاة، ووقف هَا هُنَا حَتَّى نفيض، وَقد أُتِي عَرَفَات قبل ذَلِك لَيْلًا أَو نَهَارا فقد تمّ حجه وَقَضَى تفثه». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «من وقف مَعنا بِعَرَفَة فقد تمّ حجه» وَفِي رِوَايَة لأبي يعْلى فِي مُسْنده: «ومَنْ لم يدْرك جمْعًا فَلَا حج لَهُ». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عِنْد كَافَّة أَئِمَّة الحَدِيث، وَهُوَ قَاعِدَة من قَوَاعِد الْإِسْلَام، وَقد أمسك عَن إِخْرَاجه الشَّيْخَانِ عَلَى أَصلهمَا أَن عُرْوَة بن مُضرس لم يحدِّث عَنهُ غير عَامر الشّعبِيّ. قَالَ: وَقد وجدنَا عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام حدَّث عَنهُ.
قلت: وَقد حدَّث عَنهُ أَيْضا غَيرهمَا، كَمَا ذكرته فِي كتابي: الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث اختصارُ كتاب أبي عَمرو بْنِ الصّلاح، فراجعْهُ مِنْهُ، قَالَ الْحَاكِم: وتابع عُرْوَة بن المضرس فِي رِوَايَة هَذِه السُّنة من الصَّحَابَة: عبدُ الرَّحْمَن بن يعمر الديلِي. ثمَّ ذكر حَدِيثه السالف، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْمعَافِرِي: هَذَا الحَدِيث من لَوَازِم الصَّحِيحَيْنِ وإِن لم يخرجَاهُ.
فَائِدَة: عُرْوَة بن مُضرس هَذَا طائي، وَكَانَ سيدًا فِي قومه يضاهي عديَّ بْنَ حَاتِم فِي الرياسة، وَكَانَ أَبوهُ مُضَرِّس- بِضَم الْمِيم، وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وتشديدها، ثمَّ سين مُهْملَة- عَظِيم الرياسة أَيْضا، وجدُّه أَوْس بن حَارِثَة بن لَام، وَعُرْوَة صَحَابِيّ وَشهد مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لم يروِ عَنهُ غير الشّعبِيّ. وَقد أسلفنا أَن جمَاعَة رووا عَنهُ أَيْضا غَيره.
فَائِدَة ثَانِيَة: الْحَبل- بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، ثمَّ لَام- قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: الحَبْل- بِالْحَاء- هُوَ مَا كَانَ من رمْلٍ، فَإِن كَانَ من حِجَارَة يُقَال لَهُ: جبل- يَعْنِي: بِالْجِيم. وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال للرمل المستطيل: حبْل. وَكَذَا قَالَ القَاضِي عِيَاض: الْحَبل- بِالْحَاء الْمُهْملَة- مَا طَال من الرمل وضَخُم، وَيُقَال: الحبال دون الْجبَال. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِي السّنَن: الْحَبل- بِالْحَاء الْمُهْملَة- هُوَ المستطيل من الرمل، وَقيل: مَا ضخم مِنْهُ، وَقيل: مَا طَال وضخم وَقيل: الَّذِي يسلكونه فِي الرمل، قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَه.
فَائِدَة ثَالِثَة: جبليّ طَيئ: هما سلْمَى وأجا. قَالَه الْمُنْذِرِيّ. والتفث: بمثناة ثمَّ فَاء ثمَّ مُثَلّثَة، قَالَ الْأَزْهَرِي: لَا يُعرف من كَلَام الْعَرَب إِلَّا من قَول ابْن عَبَّاس وَأهل التَّفْسِير. قَالَ: وَهُوَ الْأَخْذ من الشَّارِب وقص الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة، هَذَا عِنْد الْخُرُوج من الْإِحْرَام. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: التفث فِي كَلَام الْعَرَب إذهابُ الشَّعَث.

.الحديث الثَّامِن بعد الْخمسين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف بعد الزَّوَال».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف لَك فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَكَذَا وقف الْخُلَفَاء فَمن بعدهمْ وهلُمَّ جرّا، وَمَا نُقِلَ عَن أحدٍ أَنه وقف قبل الزَّوَال، وَأجَاب أَصْحَابنَا عَن حَدِيث عُرْوَة الْمَذْكُور قبله: أَنه مَحْمُول عَلَى مَا بعد الزَّوَال.

.الحديث التَّاسِع بعد الْخمسين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ترك نُسُكًَا فَعَلَيهِ دم».
هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الْمَوَاقِيت، من قَول ابْن عَبَّاس، وَلَا يُعرف رَفعه.

.الحديث السِّتُّونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَوْم عَرَفَة الْيَوْم الَّذِي يعرف النَّاس فِيهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله كَذَلِك من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُرْسل جيد.
قلت: وَعبد الْعَزِيز هَذَا ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة وَقَالَ: أوردهُ ابْن شاهين فِي الصَّحَابَة وَقَالَ: كَذَا قَالَ ابْن أبي دَاوُد، وَقد اختُلف فِيهِ. وَذكره أَبُو نُعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة عبد الله بن خَالِد بن أسيد المخزومى، من رِوَايَة وَلَده عبد الْعَزِيز عَنهُ، ثمَّ قَالَ: عبد الله فِي صحبته ورؤيته نظر. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ مَرْفُوعا، رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، عَن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «عَرَفَة يَوْم يعرف الإِمَام، والأضحى يَوْم يُضحي الإِمَام، والْفطر يَوْم يفْطر الإِمَام». قَالَ: ومُحَمَّد هَذَا يعرف بالفارسي، وَهُوَ كُوفِي، قَاضِي فَارس، تفرد بِهِ عَن سُفْيَان. وَقَالَ فِي خلافياته: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن عَائِشَة مُرْسل. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد الزنْجِي- إِمَام أهل مَكَّة ومفتيها- عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: رجل حجَّ أول مَا حَجَّ فَأَخْطَأَ الناسَ بِيَوْم النَّحْر، أيجزئ عَنهُ؟ قَالَ: نعم أَي لعمري إِنَّهَا لتجزئ عَنهُ قَالَ- وَأَحْسبهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فطركم يَوْم تفطرون، وأضحاكم يَوْم تضحون- وَأرَاهُ قَالَ- وعرفة: يَوْم تعرفُون». وَمُسلم هَذَا مُخْتَلف فِيهِ، وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا: «يَوْم النَّحْر يَوْم ينْحَر النَّاس وَالْإِمَام، وَيَوْم عَرَفَة يَوْم يعرف النَّاس وَالْإِمَام». ثمَّ قَالَ: وَقْفه عَلَيْهَا هُوَ الصَّوَاب. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَيْضا بِلَفْظ آخر: «الْفطر يَوْم يفْطر النَّاس، والأضحى يَوْم يُضحي النَّاس». ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «الْفطر يَوْم تفطرون، والأضحى يَوْم تضحون». وَمُحَمّد هَذَا لم يسمع من أبي هُرَيْرَة وَلم يَلْقَه؛ كَمَا قَالَه ابْن معِين وَأَبُو زُرْعة. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، وَحسنه مَعَ الغرابة وَزَاد فِي أَوله: «الصَّوْم يَوْم تصومون».

.الحديث الحادى بعد السِّتين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «حجُّكم يَوْم تحجون».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرَّجه بِهَذَا اللَّفْظ، ويُغْني عَنهُ الحَدِيث الَّذِي قبله.

.الحديث الثَّانِي بعد السِّتين:

رَوَى أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة فَلَا حجَّ لَهُ».
هَذَا الحَدِيث أَيْضا غَرِيب، لَا أعلم من خرَّجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح المهذَّب: إِنَّه لَيْسَ بِثَابِت وَلَا مَعْرُوف. قَالَ: وَيُجَاب عَنهُ عَلَى تَقْدِير ثُبُوته أَن المُرَاد: لَا حجَّ كَامِل. وَقَالَ الْحَافِظ محبُّ الدَّين الطَّبَرِيّ فِي شرح التَّنْبِيه: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْن أَخذه الرافعيُّ؟.

.الحديث الثَّالِث بعد السِّتين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْحَج عَرَفَة، فَمَنْ أدْركهَا فقد أدْرك الحجَّ».
هَذَا الحَدِيث قد تقدم بَيَانه قَرِيبا وَاضحا.

.الحديث الرَّابِع بعد السِّتين:

«أَن سَوْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أفاضتْ فِي النّصْف الْأَخير من مُزْدَلِفَة بِإِذن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يأمرها بِالدَّمِ، وَلَا النَّفَر الَّذين كَانُوا مَعهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «اسْتَأْذَنت سَوْدَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة جمع، وَكَانَت ثَقيلَة ثبطة، فأذِنَ لَهَا». هَذَا لفظ إِحْدَى رواياتهم، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَت سَوْدَة امْرَأَة ضخمة ثبطة؛ فاستأذنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تفيض من جمع بلَيْل، فَأذن لَهَا، قَالَت عَائِشَة: فليتني كنت اسْتَأْذَنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا استأذنتْهُ سودةُ». وَفِي لفظ لَهُ: «فأصلي الصُّبْح بمنى، فأرمي الجمرةَ قبل أَن يَأْتِي النَّاس» وَكَانَت عَائِشَة لَا تفيض إِلَّا مَعَ الإِمَام.

.الحديث الخَامِس بعد السِّتين:

«أَن أُمَّ سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أفاضت فِي النّصْف الْأَخير من مُزْدَلِفَة بِإِذن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يأمُرُها وَلَا مَنْ مَعهَا بِالدَّمِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الضَّحَّاك- يَعْنِي: ابْن عُثْمَان- عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «أرسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بأُمِّ سَلمَة لَيْلَة النَّحْر فرمت الجمرةَ قبل الْفجْر، ثمَّ مَضَت فأفاضت، وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم الْيَوْم الَّذِي يكون رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعْنِي عِنْدهَا» وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، لَا جَرَمَ أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة السّنَن والْمعرفَة وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ. والخلافيات وَقَالَ: رُوَاته ثِقَات. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مُرْسلا، فَقَالَ- وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من جِهَته أَيْضا-: أَنا دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار وعبدُ الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن هِشَام، عَن أَبِيه قَالَ: «دَار رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أم سَلمَة يَوْم النَّحْر وأمَرَها أَن تتعجَّل الْإِفَاضَة من جمع حَتَّى ترمي الجمرةَ وتوافي صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة، وَكَانَ يَوْمهَا فَأحب أَن توافقه أَو توافيه». قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم: وَهَذَا لَا يكون إِلَّا وَقد رمت الْجَمْرَة قبل الْفجْر بساعة. قَالَ: وَأَخْبرنِي من أَثِق من المشرقيين عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، عَن أم سَلمَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله. هَكَذَا رَوَاهُ فِي الْإِمْلَاء، وَرَوَاهُ فِي الْمُخْتَصر الْكَبِير بالإسنادين جَمِيعًا، إِلَّا أَنه قَالَ: «ترمي الجمرةَ وتوافي صلاةَ الصُّبْح بِمَكَّة، وَكَانَ يَوْمهَا، فَأحب أَن توافقه أَو توافيه». وَقَالَ فِي الْإِسْنَاد الثَّانِي: أَخْبرنِي الثِّقَة عَن هِشَام. وَكَانَ الشَّافِعِي أَخذه من أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير، وَقد رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة مَوْصُولا فَذكره وَقَالَ فِي سنَنه أَيْضا: وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِير عَن هِشَام بن عُرْوَة مَوْصُولا، يَعْنِي: وَفِيه: «صلَاتهَا الصُّبْح بِمَكَّة» ثمَّ سَاقه عَن الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي مُعَاوِيَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، عَن أم سَلمَة: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَها أَن توافيه صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة يَوْم النَّحْر» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن أبي مُعَاوِيَة، وَرَوَاهُ أَسد بن مُوسَى عَن أبي مُعَاوِيَة بِإِسْنَادِهِ، قَالَت: «أمرهَا يَوْم النَّحْر أَن توافي مَعَه صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة».
قلت: وَهَذَا أنكرهُ الإِمَام أَحْمد وَغَيره، أَعنِي: الموافاة بهَا فِي صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة، وَهُوَ لائح؛ فَإِنَّهُ لَا يُمكن أَن توافي مَعَه صَلَاة الصُّبْح بِمَكَّة، فَإِنَّهُ صلَّى الصبحَ يَوْمئِذٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وأفاض يَوْم النَّحْر، وَأما حَدِيث أبي الزبير عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل» فَفِيهِ نظر ثمَّ اعْلَم أَن الرافعيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر حَدِيث أمِّ سَلمَة هَذَا، وَحَدِيث سَوْدَة الَّذِي قبله، دَلِيلا عَلَى أَنه إِذا دفع من مُزْدَلِفَة بعد انتصاف اللَّيْل لَا شَيْء عَلَيْهِ مَعْذُورًا كَانَ أَو غير مَعْذُور، وَلَيْسَ فِيهَا التَّحْدِيد بذلك، نعم فِي حَدِيث أَسمَاء فِي الصَّحِيحَيْنِ التَّوْقِيت بغيبوبة الْقَمَر فَقَط.
فَائِدَة: قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر: قَوْله توافي تجوز قِرَاءَته بِالْيَاءِ وَالتَّاء، يَعْنِي الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت وَالتَّاء الْمُثَنَّاة فَوق، قَالَ: لِأَن قَوْله «وَكَانَ يَوْمهَا» فِيهِ مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: أَنه أَرَادَ: وَكَانَ يَوْمهَا من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأحبَّ عَلَيْهِ السَّلَام أَن يوافي التَّحَلُّل وَهِي قد فرغت.
ثَانِيهمَا: أَنه أَرَادَ: وَكَانَ يَوْم حَيْضهَا، فأحبَّ أَن توافي أُمُّ سَلمَة التَّحَلُّل قبل أَن تحيض. قَالَ: فَيقْرَأ عَلَى الأوَّل بِالْمُثَنَّاةِ تَحت، وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُثَنَّاةِ فَوق.
فَائِدَة ثَانِيَة: رَوَى النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَيْضا «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَ إِحْدَى نِسَائِهِ أَن تنفر من جمع لَيْلَة جمع، فتأتي جَمْرَة الْعقبَة فترميها، وَتصلي فِي منزلهَا». هَكَذَا رَوَاهُ، وَلم يسم الْمَرْأَة، فَيحْتَمل حِينَئِذٍ أَن تكون أمَّ سَلمَة، وَيحْتَمل أَن تكون سودةَ، وَيحْتَمل أَن تكون أمَّ حَبِيبَة. فَفِي صَحِيح مُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث بهَا من جمع بلَيْل».
تَنْبِيه: لمَّا ذكر الرَّافِعِيّ أَنه يكره أَن يُرْمَى من المرمى قيل: «إِن من تقبل حجّه يرفع حجره، وَمَا بَقِي فَهُوَ مَرْدُود». وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا، لَكِن بِإِسْنَاد ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ويُرْوى من وَجه آخر ضَعِيف أَيْضا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا. قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُور عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا عَلَيْهِ.

.الحديث السَّادِس بعد السِّتين:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كنتُ فِيمَن قدَّمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ضعفةِ أَهله من الْمزْدَلِفَة إِلَى منى».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنهُ، قَالَ: «أَنا مِمَّن قَدَّمَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فِي ضعفة أَهله». وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ رِوَايَة الإِمَام الشَّافِعِي كَمَا سَاقه الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، وَفِي رِوَايَة للنسائي: وَقَالَ لَهُم: «لَا ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَرْسلنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ ضعفة أَهله، فصلينا الصُّبْح بمنى، ورمينا الْجَمْرَة». وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم ضعفةَ أَهله وَقَالَ: لَا ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس» ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح، وَقَالَ بِهِ أَكثر أهل الْعلم، ورخَّص بعض أهل الْعلم فِي أَن يرموا بليلٍ، وَالْعَمَل عَلَى حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي الإشراف: الرَّمْي قبل الْفجْر مُخَالف لسُنَّته عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا يُجزئ. وَكَأَنَّهُ تشبث بِحَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا، لَكِن حَدِيث أم سَلمَة وَسَوْدَة يُخَالِفهُ.